الرئيسية / المعلمين / د.أحمد الشيمي يكتب: لماذا غابت القصيدة الطويلة في الشعر العربي؟
الدكتور احمد الشيمي
الدكتور احمد الشيمي

د.أحمد الشيمي يكتب: لماذا غابت القصيدة الطويلة في الشعر العربي؟

للشاعر الإنجليزي( ويليام وردزوورث(1770-1850م) قصيدة اسمها المقدمة (The Prelude)عدد أبياتها 7863 بيتًا صدرت في كتاب بعد وفاته، يروي فيها سيرته الذاتية بوصفه مبدعًا، وكيف تكون هذا العقل المبدع منذ الصبا ومرورًا بالمرحلة الجامعية وحتى مرحلة النضج، المهم أنها تغوص عميقًا في النفس الإبداعية للشاعر، في شعر رقيق ناعم يطرب القلب ويغذي الروح, وهي تعد من أهم إنجازات الرومانسية الإنكليزية. وفي عام 1868م كتب روبرت براوننج(1812-1889م) الشاعر الإنجليزي الذي يعد من أشهر شعراء العصر الفيكتوري قصيدة طويلة بعنوان:(The Ring and the Book)يبلغ عدد أبياتها حوالي 21,000 بيتًا من الشعر صدرت في أربعة مجلدات متتالية. وهي قصيدة سردية مكتوبة في تقنية المونولوج الدرامي التي كان براوننج يتقنها ويتفنن في تدبيجها، تعدد فيها الرواة، وكل واحد منهم يروى القصة من وجهة نظره. أما رائعة لورد بايرون(1788-1824م) الأدبية فهي “دون جوان”(Don juan)القصيدة الطويلة التي ترجمها محمد عناني عملاق الترجمة في زماننا (متعه الله بالصحة) وهي من أهم القصائد الطويلة التي كُتبت في اللغة الإنجليزية بعد الفردوس المفقود.

السؤال الذي سألته لنفسي: أين تراثنا الشعري من القصائد الطويلة؟ أطول قصيدة في تراثنا هي المعلقات وأطولها معلقتي عمروبن كلثوم, وطرفة بن العبد اللتان بلغتا 103 بيتا بحسب القاضي الزوزني, ثم بعض المدائح النبوية مثل البردة للبوصيري, ونهج البردة لشوقي… ما السبب في أن شعراءنا نفسهم قصير؟ إنني أرى أن القافية هي السبب !! فلو تحرر أجدادُنا من القافية منذ زمن بعيد لاستطاعوا التحليق في سماء الشعر إلى أبعد مما نتوقع. فالقافية تعني القيد, أما الغربيون فقد أدركوا الحرية في الشعر منذ زمن بعيد. الشاعر الحر الذي تخلص من عقد القافية ينطلق بعيدًا إلى آفاق لا يدركها الشاعر العمودي.

وهذا الحديث قد يجد من يضاده بقوة، لأن شعراءنا الكبار كالمتنبي وأبو العلاء وذو الرمة وابن الرومي كتبوا قصائد عبقرية في الشكل العمودي!!لكن شعراءنا المحدثين تخلواعن القافية، فهل كتبوا قصائد طويلة؟ ملاحم؟ أبدًا! لم يكتبوا قصائد طويلة ولا ملاحم، فقط لدينا ملحمة يتيمة شعبية اسمها أبو زيد الهلالي، جمعها المرحوم عبد الرحمن الأبنودي (1938 – 2013) من أفواه الشعراء الشعبيين، أغلبها على لسان شاعر شعبي واحد من بلدة(آبار الوقف) في سوهاج ، وهو الشاعر جابر أبو حسين (1913 – 1992).

إذن فلا يزال السؤال مطروحًا، ولا تزال القضية تريد من يناقشها، ويصل فيها إلى رأي سديد، أو حتى لا يصل إلى أي رأي، ولكن يناقشها بشيء من المنطق، والقدرة على إيراد الحجج والتبريرات. ففي القضايا الأدبية ليس مهمًا أن نصل إلى حل، أو رأي نهائي، الأهم أن يكون لدينا ولدى تلامذتنا القدرة على الحوار، والدفاع، واستعراض المعرفة، والمدى الذي وصلنا إليه في القدرة على إثارة العقل، والتحريض على التفكير.

عن القهوة

شاهد أيضاً

“أحببتك أكثر مما ينبغي” حينما يتحول الحب الي لعنة

ما بين الأنا الأعلي المتمثلة في إيمانها بالحب في أسمى صورة والأنا التي عاشتها في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *