علاقة الفلاح بالحمار من أنجح العلاقات في مجتمعنا, فعبر عصور التاريخ الموغلة في القدم لم تتصدع أو تضعف هذه العلاقة, فإن سألت أحد الفلاحين الكُمًّل عن حماره لأجابك من فوره:(حماري أحسن من ابني), ومن الأمثال الطريفة التي تؤكد هذا المعنى أن الفلاح حينما يُحدّث ابنه معاتبا على إهماله أمر نفسه وأنه لن يستفيد منه شيئ نهض وصح حاله, يقول له:( دا انت لو بقيت(أصبحت)جحش مش هطول اركبك) وعن فائدة الحمار يقولون:(حمارتك العرجة ولا سؤال اللئيم),(حمار شغل), وهكذا يدخل الحمار في أمثال الفلاح ونصائحه وحكمته وكافة شئون حياته, حتى إن الأمر طال متعلقات الحمار فقالوا:( ما بين الراكب والماشي حل البردعة) وهو مثل يدعو إلى الهدوء وعدم التسرع, وقالوا:(مقدرش على الحمار اتشطر على البردعة).
وقد افترى بعض الناس على الحمار وجعلوا اسمه (سُبة) يصفون به قليل الفهم أو الغبي, ولعمري ما هذا إلا الغباء بعينه, لأن الدراسات العلمية أوضحت أن الحمار، ذكي، حميم, حذر، قابل للتعلم, ومن مميزاته أنه يتمتع بحدة السمع, ولديه قدرة على الحفظ.
وإذا بحثنا في سر نجاح هذه العلاقة الوطيدة نجد أنها تبدأ من الفلاح الذي يعرف قيمة حماره الذي يحمله فوق ظهره, ويستخدمه في أعماله, ويمتطيه فيريحه, ويثقل عليه فلا يئن. فالفلاح الذكي أول أمر يقوم به صباحاً هو الإطمئان على أكل الحمار وشربه, فإن وجد إهمال قامت القيامة ولم تقعد, فلا يفطر أحد في البيت قبل الحمار, كما أنه يهتم برعايته فإن كان جحش(أي حمار صغير) يعلمه ويدربه جيدا ثم يبدأ في استخدامه شيئا فشيئا في مرحلة “العلوم”(تساوي سن المراهقة لدي البشر) ثم الاعتماد عليه بشكل أساسي, مع رعايته صحياً حتى لا تقف الأعمال, أو يضطر إلى استئجار حمارًا غيره.
بذلك يجد الفلاح حماراً صبورًا, لا يشتكي من حجم العمل الممطلوب منه, لايهرب من صعوبات تواجهه, لا يلقي حمله من على ظهره. يعمل بصمت بدون نهيق, لا يترك صاحبه.
إن السر في نجاح علاقة الفلاح بالحمار هي علاقة (العطاء) المتبادل التي تنتج عنها المنفعة المتبادلة والعكس ليس صحيح, والعطاء يستلزم الاجتهاد والعمل الذي يستوجب الشكر, فشكرًا لكل فلاح اهتم بحميره, وشكرًا لكل الحمير التي عملت وأعطت وصبرت وعمًرت الكون.